وا إسلاماه
--------------------------------------------------------------------------------
صرخة صرخها المظفَّر سيف الدين قُطُز، تردد صداها بين ظهراني المسلمين؛ فتجاوب معه الكون كله، وهبّ جنود الإسلام لنصرة دينهم والذود عن حياضه، وسطروا بسيوفهم أروع البطولات في الجهاد ضد المغول.
لكن....... واحسرتاه! لو قالها الآن إخوتنا في فلسطين، والعراق، وغيرها؛ فمن ذا الذي سيجيبهم؟! بل قالوها وصاحوا بأعلى صوتهم، فلم يجدوا غير صدى الصوت. لقد كثرت الجراحات في كثير من بلدان أمتنا الإسلامية، ونزفت بشدة في أكثر من موضع. انظروا حيث شئتم، تلفتوا يميناً ويساراً، انظروا من بين أيديكم ومن خلفكم! فلن تجدوا إلا بيتاً محطماً، ويتيماً مــشرداً، وأســرة لا عائل لها!
انظروا إليهم في فلسطين في الشيشان، وأفغانستان، وكشمير، والفلبين، في بورما وإندونيسيا، وسمّوا ما شئتم من الدول! فالحال هو الحال، والمصير هو المصير، ولسان حالهم كما قال الشاعر (محمود غنيم):
أنَّى اتجهتَ إلى الإسلام في بلدتجده كالطير مقصوصاً جناحاه
فحسبنا الله ونعم الوكيل!
كم يؤلم منظر تلك الطفلة ـ التي ينطق وجهها براءة وطهراً ـ وهي تقاوم جنود الاحتلال الذين نزعوا أباها من قلبها! تحاول تخليصه منهم؛ فليس لها في الدنيا بعد الله غيره فيقتله الأوغاد، ويتناثر جسده أمام عينيها الحزينتين، فتصيح باكية، وتقترب منه، وتناجيه بكل حواسها، ولكن لا مجيب؛ فقد ذهب أبوها، وذهب معه قلبها المكلوم، ما ذنب هذه الطفلة؟ أغفلتم عنها يا مسلمون؟!
بل يؤلم أكثر ما يؤلم منظر الجثث المتناثرة في بلاد الإسلام الحزينة؛ حيث الأشلاء تسبح في برك من الدماء البريئة، هذه قـدم ملقاة هنـا، والآخــر رأســه يتدحـرج بعيداً عـن جسـده، يا لبشاعة الحرب، ويا لبشاعة المعتدين!
تلك الأم تضم ابنها إلى صدرها، وكأنها تريد دفع الموت عنه، تركض وتجري، لكن إلى أين؟ لا تدري؛ والوحوش حولها في كل مكان؛ إذن لا بد من الاختباء. اختبأت مع ابنها خلف أحد المنازل المهدمة، ولكن الله أراد لها أن تقتل بآخر رصاصة أُطلقت في ذلك اليوم، استلقت بجانب وليدها الصغير الذي قال لها: ماما لِمَ تنامين هنا في هذا الشارع؟ ولِمَ لَمْ تحكي لي اليوم حكاية؟ ونام بجانبها، ولا أعلم ما فعل حين علم أنها ماتت!
بل يؤلمنا أكثر وأكثر عندما نرى إخواننا المسلمين في كل مكان يتعرضون لسفك الدماء، وتكسير العظام، والقتل العشوائي، والضرب الشديد، وإسقاط الأجنة من بطون الحوامل، وتقطيع الأطفال وهم أحياء، وشيهم على النار أمام عيني والديهم.
بل يؤلم أكثر وأكثر منظر تلك الطفلة الجميلة البريئة التي لم تتعد السنتين التي كل من يراها يُؤخَذ بجمالها الطفولي الباهر، لكن ما أن ينظر إلى قدميها ويجدهما مقطوعتين؛ حتى يقطع الألم فؤاده، ما ذنبها؟ وما كان جرم تلك المسكينة؟
لقد تشرد الملايين من المسلمين، وأغلبهم من كبار السن الذين أصبحوا بلا مأوى ولا دفء، يموت أكثرهم من البرد والجوع؛ فماذا اقترفت أيديهم حتى يُفعل هذا بهم؟
الكل له بواكٍ إلا المسلمين فلا بواكي لهم. فماذا فعل المسلمون ليصير هذا حالهم؟
هل هم قتلة؟
هل هم مجموعة من المجرمين؟
هل هم مجموعة لصوص وقطاع طرق؟
كـلاَّ! فما عرفت الإنسانية أمة تضارع هذه الأمة في طهرها ونقائها وعفافها وصدقها وأمانتها.
قال - تعالى -: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}. [آل عمران: 110]
لقد كان خطأ المسلمين في نظر أعدائهم ـ الذين ما عدلوا معهم يوماً، ولا راعـــوا لهــم حقـا أبــداً ـ لقـد كان الذنب الذي لا يغفر هو أنهم ما عبدوا غير الله، وما انحنت جباههم إلا لله الواحد القهار، ولا مُدَّت أيديهم إلا أمام أبواب رحمة الله.
قال - عز وجل -: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْـحَمِيدِ} [البروج: 8].
يا مسلمون! إنها محن يلين لها الحجر، ويأسى لها القلب وينفطر، وتسكب العين دمعها مراراً وينهمر.
لكـن..... أين دوركم؟ أين أموالكم واقتصادكم؟ أين أسلحتكم بل أين جيوشكم؟
لماذا نُصِمُّ الآذان؟ بل لماذا نتجاهل الأحداث حتى الآن؟ لماذا قلوبنا أصبحت كالحجر؟ ألا نشعر بالخجل حتى من مجرد الحديث عنهم؟ أأصابنا الفتور والكسل؟
إنها أخوة الدين ورابطة العقيدة؛ فأين الشعور بالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى؟!
نحن بحاجة إلى عودة صادقة إلى العزيز الجبار، نتوب إليه من ذنوبنا وآثامنا التي حالت بيننا وبينا نصره، وسُلِّط علينا أعداؤنا، وجعلتهم ينالون منا، فيتحقق لنا الذي وعد الله به عباده الذين آمنوا: {إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51].
فما النصر إلا من عند الله، وهو ليس بكثرة عدد أو عتاد، ولكنه فضل الله يؤتيه من يشاء، وفقاً لوعده الذي لا يخلف، وإن غطت غيوم الضباب بريقه {إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}. [محمد: 7]
وعندها نقول: وا إسلاماه! ويجيبنا الكون كله، وتنطلق جنود الله من الإنس والملائكة والجبال والشجر والحجر... {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلاَّ هُوَ} [المدثر: 31]؛ ليتحقق الأمل المنشود، ويرتفع الظلم عن العباد، وتعلو كلمة التوحيد خفاقة على ربوع البلاد، ويدخل الناس في دين الله أفواجاً.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مَدَر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر»(1).
ادعوا لإخوانكم يا مسلمون! اللهم انصرهم، وارفع عنهم، وأيد بهم راية الجهاد!
فإنهم يصرخون، ولكن من يسمع صرختهم وصوتهم واهن مبحوح؛ لقد أزعجهم صدى الصوت، وأتعب نظرهم التلويح، لكنهم ما زالوا يصيحون..... يصرخون.... يهتفون.
[center]
--------------------------------------------------------------------------------
صرخة صرخها المظفَّر سيف الدين قُطُز، تردد صداها بين ظهراني المسلمين؛ فتجاوب معه الكون كله، وهبّ جنود الإسلام لنصرة دينهم والذود عن حياضه، وسطروا بسيوفهم أروع البطولات في الجهاد ضد المغول.
لكن....... واحسرتاه! لو قالها الآن إخوتنا في فلسطين، والعراق، وغيرها؛ فمن ذا الذي سيجيبهم؟! بل قالوها وصاحوا بأعلى صوتهم، فلم يجدوا غير صدى الصوت. لقد كثرت الجراحات في كثير من بلدان أمتنا الإسلامية، ونزفت بشدة في أكثر من موضع. انظروا حيث شئتم، تلفتوا يميناً ويساراً، انظروا من بين أيديكم ومن خلفكم! فلن تجدوا إلا بيتاً محطماً، ويتيماً مــشرداً، وأســرة لا عائل لها!
انظروا إليهم في فلسطين في الشيشان، وأفغانستان، وكشمير، والفلبين، في بورما وإندونيسيا، وسمّوا ما شئتم من الدول! فالحال هو الحال، والمصير هو المصير، ولسان حالهم كما قال الشاعر (محمود غنيم):
أنَّى اتجهتَ إلى الإسلام في بلدتجده كالطير مقصوصاً جناحاه
فحسبنا الله ونعم الوكيل!
كم يؤلم منظر تلك الطفلة ـ التي ينطق وجهها براءة وطهراً ـ وهي تقاوم جنود الاحتلال الذين نزعوا أباها من قلبها! تحاول تخليصه منهم؛ فليس لها في الدنيا بعد الله غيره فيقتله الأوغاد، ويتناثر جسده أمام عينيها الحزينتين، فتصيح باكية، وتقترب منه، وتناجيه بكل حواسها، ولكن لا مجيب؛ فقد ذهب أبوها، وذهب معه قلبها المكلوم، ما ذنب هذه الطفلة؟ أغفلتم عنها يا مسلمون؟!
بل يؤلم أكثر ما يؤلم منظر الجثث المتناثرة في بلاد الإسلام الحزينة؛ حيث الأشلاء تسبح في برك من الدماء البريئة، هذه قـدم ملقاة هنـا، والآخــر رأســه يتدحـرج بعيداً عـن جسـده، يا لبشاعة الحرب، ويا لبشاعة المعتدين!
تلك الأم تضم ابنها إلى صدرها، وكأنها تريد دفع الموت عنه، تركض وتجري، لكن إلى أين؟ لا تدري؛ والوحوش حولها في كل مكان؛ إذن لا بد من الاختباء. اختبأت مع ابنها خلف أحد المنازل المهدمة، ولكن الله أراد لها أن تقتل بآخر رصاصة أُطلقت في ذلك اليوم، استلقت بجانب وليدها الصغير الذي قال لها: ماما لِمَ تنامين هنا في هذا الشارع؟ ولِمَ لَمْ تحكي لي اليوم حكاية؟ ونام بجانبها، ولا أعلم ما فعل حين علم أنها ماتت!
بل يؤلمنا أكثر وأكثر عندما نرى إخواننا المسلمين في كل مكان يتعرضون لسفك الدماء، وتكسير العظام، والقتل العشوائي، والضرب الشديد، وإسقاط الأجنة من بطون الحوامل، وتقطيع الأطفال وهم أحياء، وشيهم على النار أمام عيني والديهم.
بل يؤلم أكثر وأكثر منظر تلك الطفلة الجميلة البريئة التي لم تتعد السنتين التي كل من يراها يُؤخَذ بجمالها الطفولي الباهر، لكن ما أن ينظر إلى قدميها ويجدهما مقطوعتين؛ حتى يقطع الألم فؤاده، ما ذنبها؟ وما كان جرم تلك المسكينة؟
لقد تشرد الملايين من المسلمين، وأغلبهم من كبار السن الذين أصبحوا بلا مأوى ولا دفء، يموت أكثرهم من البرد والجوع؛ فماذا اقترفت أيديهم حتى يُفعل هذا بهم؟
الكل له بواكٍ إلا المسلمين فلا بواكي لهم. فماذا فعل المسلمون ليصير هذا حالهم؟
هل هم قتلة؟
هل هم مجموعة من المجرمين؟
هل هم مجموعة لصوص وقطاع طرق؟
كـلاَّ! فما عرفت الإنسانية أمة تضارع هذه الأمة في طهرها ونقائها وعفافها وصدقها وأمانتها.
قال - تعالى -: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}. [آل عمران: 110]
لقد كان خطأ المسلمين في نظر أعدائهم ـ الذين ما عدلوا معهم يوماً، ولا راعـــوا لهــم حقـا أبــداً ـ لقـد كان الذنب الذي لا يغفر هو أنهم ما عبدوا غير الله، وما انحنت جباههم إلا لله الواحد القهار، ولا مُدَّت أيديهم إلا أمام أبواب رحمة الله.
قال - عز وجل -: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْـحَمِيدِ} [البروج: 8].
يا مسلمون! إنها محن يلين لها الحجر، ويأسى لها القلب وينفطر، وتسكب العين دمعها مراراً وينهمر.
لكـن..... أين دوركم؟ أين أموالكم واقتصادكم؟ أين أسلحتكم بل أين جيوشكم؟
لماذا نُصِمُّ الآذان؟ بل لماذا نتجاهل الأحداث حتى الآن؟ لماذا قلوبنا أصبحت كالحجر؟ ألا نشعر بالخجل حتى من مجرد الحديث عنهم؟ أأصابنا الفتور والكسل؟
إنها أخوة الدين ورابطة العقيدة؛ فأين الشعور بالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى؟!
نحن بحاجة إلى عودة صادقة إلى العزيز الجبار، نتوب إليه من ذنوبنا وآثامنا التي حالت بيننا وبينا نصره، وسُلِّط علينا أعداؤنا، وجعلتهم ينالون منا، فيتحقق لنا الذي وعد الله به عباده الذين آمنوا: {إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51].
فما النصر إلا من عند الله، وهو ليس بكثرة عدد أو عتاد، ولكنه فضل الله يؤتيه من يشاء، وفقاً لوعده الذي لا يخلف، وإن غطت غيوم الضباب بريقه {إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}. [محمد: 7]
وعندها نقول: وا إسلاماه! ويجيبنا الكون كله، وتنطلق جنود الله من الإنس والملائكة والجبال والشجر والحجر... {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلاَّ هُوَ} [المدثر: 31]؛ ليتحقق الأمل المنشود، ويرتفع الظلم عن العباد، وتعلو كلمة التوحيد خفاقة على ربوع البلاد، ويدخل الناس في دين الله أفواجاً.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مَدَر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر»(1).
ادعوا لإخوانكم يا مسلمون! اللهم انصرهم، وارفع عنهم، وأيد بهم راية الجهاد!
فإنهم يصرخون، ولكن من يسمع صرختهم وصوتهم واهن مبحوح؛ لقد أزعجهم صدى الصوت، وأتعب نظرهم التلويح، لكنهم ما زالوا يصيحون..... يصرخون.... يهتفون.
[center]